، ‏لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ. إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

الأحد، 6 يوليو 2014
7:05 م

بشراك أيها المظلوم


بشراك أيها المظلوم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسَلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

فقد أخرج الإمام البخاريُّ في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعَث معاذًا إلى اليمن قال له: ((لعلِّي لا ألقاك بعد عامي هذا))، ثم أوصاه بوصايا ختَمها بقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((يا مُعاذ، اتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

حينما يُصاب المسلم بالظلْم، ويُهان ويُنتهَك عِرضه، ويسفك دمه، وتستباح دياره، وتُنهب ثرواته، فلا يجد ناصرًا ولا مُعينًا من إخوانه، ويُضيَّق عليه الخناق، وتَنقطع به السبُل، ويخلى بينه وبين قيده الذي أُسر فيه مظلومًا، حينها تأتيه البُشرى من السماء: أيها المظلوم، إن كان أهل الأرض قد خذَلوك، فإن ربَّ السماء يفتَح لك الآن باب نصرته، فارمِ بسِهام الليل، وارفع الدعوات على الظالمين؛ فهذا سلاحك الذي سيَنتصِر لك.

أخرج الإمام أحمد بسند صحيح مِن حديث أبي هُريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث دعوات مُستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المُسافر، ودعوة الوالد على ولدِه))، وعند الطبراني بسند صحيح من حديث خزيمة بن ثابت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله - جل جلاله -: وعزَّتي وجَلالي، لأنصرنَّك ولو بعد حين))، وروى الحاكم بسندٍ صحيح مِن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة)).

فأبشر - أيها المظلوم - بخير بابٍ فُتح لنصرتك؛ إنه باب الله الذي إذا نصرَك فلا غالب لك، وإذا أعانك فلا هازِمَ لك، وإذا آواك فلا طارِدَ لك، وإذا رعاك فلا خَوف عليك، وإذا زادك خيرًا فلا رادَّ لفضلِه.

حين ظُلم بنو إسرائيل قُتلوا، وشُرِّدوا، واستُبيحَت دماؤهم وأعراضهم وديارُهم في زمن موسى - عليه السلام - قام موسى مُناجيًا ربه، رافعًا يدَيه إلى ناصر المظلومين، فقال كما وصف ربُّ العزة - جل وعلا -:

﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾
[يونس: 88]،
فاستجاب الله دعاء المظلومين، وقال - عزَّ مِن قائل -:

﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 89].

فيا مَن طال الظلم عليه، يا مَن سُلبت حريته وهو في قفص الأسر وغياهب السجن ظلمًا وزورًا، ارفع يدَيك في محراب الليل، وبثَّ شكواك على الظالم.

أسد بن عبدالله القَسري والي خراسان، مرَّ بدار الخراج يأخذ مِن أموالها ويُعطي الفقراء، وكان بجوار دار الخَراج سجن للوالي وفيه مسجون مظلوم، فقام السجين ونادى الوالي قائلاً: يا أسد، إن كنتَ تُعطي مَن ترحم، فارحم مَن تَظلِم؛ فإن السموات تنفرج لدعوة المظلوم، واحذر من ليس له ناصر إلا الله، ولا تغترَّ بإبطاء الغياث؛ فمتى شاء أن يُغيث أغاث.
أمَا واللهِ إنَّ الظلْمَ شُؤمٌ
وما زال المُسيءُ هو الظلومُ
إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نَمضِي
وعندَ اللهِ تَجتمعُ الخصومُ


ارفع يدَيك أيها المظلوم؛ فقد جاء في الصحيح أن أروى بنت أويس استعدَتْ مروان على سعيد بن زيد؛ قالت: سرَق مني أرضي، فأدخلَها في أرضه، فقال سعيد: ما كنتُ لأَسرِق منها بعدما سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن سرق شِبرًا مِن الأرض، طوِّق إلى سبع الأرضين))، فقال: لا أسألك بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبةً، فأذهِبْ بصَرَها، واقتُلْها في أرضِها، فذهَب بصرُها، ووقعَتْ في حفرةٍ في أرضها فماتَت.

أيها الأحبة، والله لا أدري كيف ينام الظالم قريرَ العين، وهناك مَن يرفع يدَيه ويَهزُّها في السَّحَر يدعو على مِن ظلمه ويلهَج بقوله: "يا ربِّ، أَرِنا فيه عجائب قدرتك"؟، كيف له أن يهنأ بحياة وهناك مظلوم معذَّب في غياهب السجون؟ وإذا كانت امرأة دخلت النار في هِرَّة حبسَتْها ظلمًا، فكيف بمَن ظلَم مُسلمًا وحبسه؟
لا تَظلِمَنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا
فالظلمُ ترجع عقباهُ إلى الندمِ
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ
يدْعو عليك وعينُ اللهِ لم تَنَمِ


أيها المظلومون، إن خذَلكم أهل الأرض، فإن الله لا يَخذلكم؛ قال - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33]، فالله - جل وعلا - مِن فوق سبع سموات ينصركم، أما مَن تخاذل عن نصرتكم، فيَكفيه ما أخرجه الطحاوي بسند صحيح مِن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمر بعبد مِن عباد الله أن يُضرب في قبره مائة جلدة، فلم يَزل يسأل، ويدعو حتى صارت جلدةً واحدة، فجُلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارًا، فلما ارتفع عنه وأفاق، قال: علامَ جلَدتُموني؟ قالوا: إنك صلَيت صلاة واحدة بغير طهور، ومرَرْت على مظلوم فلم تنصره)).

اللهم إنا نعوذ بك مِن أن نَظلم أو نُظلم، أو نَذل أو نُذل، أو نَزل أو نُزل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة مِن عندك؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات:

إرسال تعليق